حسام صبحي*
غالبا ما تقترن مفردة (لاجئ) بكلمة إنسانيا أو دينيا أو سياسي، ولكن هل يوجد ما يسمى بـ اللاجئ بيئي؟ وهل عدّ المناخ عنصر مهم من جملة العناصر التي تؤدي إلى الهجرة أو اللجوء؟
على الرغْم صعوبة صياغة تعريف موحد وواضح لـ مفردة (لاجئ)، إلا إنها تعتبر أحد استراتيجيات الاندماج في وضع جديد، أو النزوح باتجاه المكان الأنسب والأعلى فرصا للمعيشة، تاركا موطنك الأصلي، ولاجئو البيئة هم الأفراد المضطرين إلى الفِرَار من بيوتهم أو الانتقال مؤقتا أو دائما عبر الحدود الوطنية أو الداخلية نتيجة الاضطراب المفاجئ أو التدريجي في التقلبات البيئية أو المناخية.
إن الظروف البيئية هي ما دفع البشر قديما إلى الهجرة من أفريقيا نحو بقية إنحاء العالم، واقترن نشوء الحضارات في العصور السابقة بقرب الشعوب من المياه والأراضي الزراعية، أي إن اللجوء إلى البيئة الصالحة للعيش مفهوم أزلي وقد اتخذه أجدادنا منذ القدم، وهو ليس بالقضية الجديدة بالرغم من التطور الحديث الذي نشهده، لا إن أزمة التغيير المناخي في تقدم مستمر، مخلفة كوارث تؤدي إلى نزوح مئات الآلاف حول العالم سنويا.
القانون لا يرى شيئاً اسمه “لاجئو بسبب المناخ”
الغريب في الأمر هو أن القوانين المحلية أو الدولية لا تعترف بحالة ما يسمى (لاجئ بيئي) أو (لاجئو بسبب المناخ)، لا يدخل مصطلح لاجئو البيئة كسمة مشتركة لدراسات الهجرة وان القضايا المناخية والبيئية لا تقع ضمن تعريف اللاجئ في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، لذلك أصبح مفهوم اللجوء البيئي من المفاهيم المهجورة لغياب الأسس القانونية له لا سيّما إن حجم الضرر الناجم من التقلبات المناخية الحادة والكوارث الطبيعية لا يقل ضررا عن تلك الناجمة من الحروب، وبسبب تفاقم أزمة الاحتباس الحراري في العقود الأخيرة ازداد موجات النزوح بسبب المناخ، وهذا ما حذر منه البنك الدولي في حالة استمرار درجات الحرارة في المنطقة على نفس المنوال قد نعاني وجود أكثر من ١٥٠ مليون نازح بسبب المناخ حتى عام ٢٠٥٠.
أزمة نزوح جماعي في العراق بسبب التغيير المناخي
أكثر من ٥ الآف أسرة مشردة في عشر محافظات عراقية نتيجة لظروف الجفاف، هذا ما أشار أليه التقرير الذي أصدرته منظمة الهجرة العالمية في حَزِيران ٢٠٢٢ حول نزوح ألاف الأسر والعوائل في العراق بشكل داخلي، أي بين المحافظات، بسبب العوامل المناخية والبيئية، كما يشير التقرير إلى نزوح هذه العوائل في ٢٠٥ مواقع، غالبيتها ٧٤٪ هي مناطق حضرية، يأتي ذلك نتيجة لازمة الجفاف الأخير الذي ضرب مناطق جنوبية كبرا أدت إلى فقدانهم أراضيهم وسبل معيشتهم المعتمدة غالبيتها على توفر المياه كجزء رئيسيا، خاصة بعد أن وصلت نسبة الجفاف في إحدى المناطق كالأهوار إلى ٩٩٪. كما أدى الجفاف إلى هجرة اكثر من ١٨٠ ألف عائلة من المزارعين في قضاء الإصلاح/ محافظة الناصرية بعد تأكيد الإدارة المحلية في القضاء فقدان جميع هذه العوائل لأراضيهم التي أصبحت ضحله، غير قابلة للزراعة أو الحراثة.
منذ أكثر من خمس آلاف سنة اختار عرب الاهوار هذه الارض لتكون سكنا لهم، وتمركزت حياتهم وأنشطتهم الاقتصادية حول هذه المنطقة، أما الآن لم تعد هذه الارض قادرة على استدامة الاحتياجات الحياتية لسكانها كالصيد والزراعة وتربية الجاموس، الأمر الذي جعل اسر وعوائل كثير تنزح صوب المدن القريبة للبحث عن فرصة أخرى تمكنهم العيش.
كان أبو اسجاد ٥٧ عام (أيوب) ممن اعتادوا حياة الفرد الاهواري أب عن جد -حسب وصفه-حيث يقطن منطقة اهوار الجابيش هو وزوحته وأولاده الخمسة، ويتخذ صيد السمك وتربية الجاموس مصدرا لقوته واسرته قبل ان يفقد هذا العام رأسين من جواميسه الثلاث، بجانب جفاف الأنهر الفرعية والمسطحات المياه التي كان يقصدها هو الكثير من الصيادين داخل الهور في مواسم انتعاش الثروة السمكية، انتهى الامر بابو سجاد بالانتقال هو واسرته والجاموسة المتبقية الى احدى القرى السكنية القريبة من حقول النفط الجنوبية، وهو يعمل الان داخل احد شركات النفط الأجنبية باجور زهيدة ولساعات عمل طويلة تبدأ من الساعة السابعة صباحا وحتى الرابعة مساءا.
في محافطة ميسان و وتحديدا منطقة هور الحويزة جنوب شرق العمارة، كان مصطفى هاشم صاحب ال٢٥ عام يعيش مع أسرته، يقتاتمح-٠سرح جواميسهم في مياه الهور بين عيدان القصب والبردي في نظام متوازن اجتماعياً وبيئياً، لكن بعد أن لفضت الاهوار أنفاسها الأخيرة بسبب موجات الجفاف والتقلبات المناخية المتتالية، بجانب السياسة التعسفية للإدارة المياه وترشيدها لهذه الأراضي من قبل الحكومة العراقية، فقدت أسرة مصطفى توازنها المعتاد في أسلوب حياتهم، وخسروا سبل معيشتهم مما أدى بهم إلى الانتقال للمدن المجاورة والعمل في الشركات النفطية بأجور منخفضة، يضيف مصطفى إلى موقع جمار: بعد أن مات نصف قطيع الجاموس الذي كنا نملكه وهدد الاخر بالموت لم يمكن أمام أسرتي سوى الانتقال إلى المدن القريبة والانخراط في مهامنا الجديدة ذات الدخل المنخفض في الشركات النفطية أنا و والدي، الانتقال إلى المدينة اثر على ثقافتنا وقتل لهجتنا فلم يعد بمقدورنا التحدث بها أمام الناس بسبب التنمر ونعتنا بالفاض كالشروگي أو المعيدي.
عدّت حالتية مصطفى وأبو سجاد ضمن مئات الحالات والأسر التي فقدت مصادر قوتها وأساليب معيشتها الممنهجة وأصبحت تحت تهديد بطش التغيير المناخي، كما خصصت في هذا المقال المقتضب الإشارة الى مناطق الجنوب والاهوار كونها المتضرر الأكبر جراء ازمة التغيير المناخي في المنطقة.
وفي سياق ألازمة نفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الهجرة والمهجرين “علي عباس” الأعداد المذكورة أعلاه (اعداد الاسر النازحة ضمن تقرير منظظللعوائل المهجرة كما اكد على إن هذه الأرقام مبالغ بها كون الوزارة على اطلاع ومتابعة لإعداد العوائل التهي تهاجر أو تنزح داخل وخارج البلاد، وأضاف من جانبه أن الوزارة باشرت بواسطة ملاكاتها الداخلية في المحافظات والمدن التي تعاني حالات الهجرة بعمليات أغاثيه للأسر النازحة، بجانب دور الوزارة في توجيه بوصلة المنضمات المحلية ودعمها بهذا الشأن، كما أشار إلى جهود الوزارة في تعاوناتها مع وزارة الموارد المائية وتنفيذها أنشطة تشاركية لإغاثة النازحين الذين تضرروا من أزمة الجفاف الأخيرة.
على غرار ما أشارت إليه وزارة الهجرة والمهجرين حول المبالغة في أعداد الأسر النازحة، تحدث الناشط البيئي ومدير منظمة “جلجاموس للاثار والاهوار ” أبو الحسن المسافري إلى جمارحول طبيعة ما يواجهه السكان في الاهوار من جرّاءِ الجفاف الحاصل، واكد إن أعداد الأسر النازحة تفوق الإحصائيات المدونة ويرجح السبب إلى كون بعض العوائل غير مسجلة في قائم مقام القرى أو المدن، ولا تمتلك سجل مدني داخل الدوائر الحكومية، لذى فان عملية انتقالهم من مدينة لأخرى ستكون غير مسجلة او قابل للإحصاء. ويضيف المسافري: إن مستوى الإغاثة المقدم سواء على الصعيد المحلي أو الدَّوْليّ يكاد يكون معدوم مقارنة بالمأساة الحاصلة واحتياجات السكان، وان تعامل الدولة مع مشكلة الجفاف غير ممنهج او صحيح، بقية الدول تتعامل مع الجفاف قبل ان يحدث، بينما تفعل حكومتنا العكس تماماً.
استمرار الازمة يودي الى أزمات أخرى..
لا شك في ان نزوح افراد القرى والارياف الى المدن يُفقدهم أسلوب معيشتهم ولهجتهم تدريجيا بل و يصل الامر الى تلاشى جزء من عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم أيضا بالنظر الى ما يسلكون الان من منهج اجتماعي جديد ، الامر الذي يولد لديهم صراع وجداني بين ماعاشوا وتربوا عليه وبين ما يواجهونه الان من تغيير جذري في حياتهم، في نهاية المطاف لا يجدون امامهم سوى خيارين، إما الاندماج الكامل مع المجتمع الجديد ومحاولة مجاراة نمط المدينة المعقد نوعا ما مقارنة مع ما اعتادوا عليه، أو مجاراة الوضع العام مع الاحتفاظ ببعض أساليب عملهم وحرفهم السابقة، كرعاية الأغنام وبيعها داخل مناطق المدن الغير مخصصة لمثل هذه الأنشطة، وهنا يكمن جوهر المشكلة، حيث يتحول اللاجئ هنا من الفرد المحافظ بطريقة او باخرى على استدامة النظام البيئي الذي كان يعيش فيه سابقا الى مؤثر لتشوه معالم المدينة و سبباَ في تلوث الشوارع و الأرصفة مسبب أزمات صحية وبيئية.
لاجئون بيئيون حول العالم
أجبرت الكوارث الطبيعية في عام ٢٠١٢ حوالي ٣٢ مليون شخصا على النزوح من منازلهم، وما زلت هناك مدن كثيرة إلى اليوم تحت تهديد هذه الكوارث، كاليفورنيا التي التهمت حرائق غاباتها الأخيرة اغلب أجزاء الساحل الغربي للبلاد وخلفت ورائها ضررا جسيما ومناطق مدمرة بالكامل مثل بلدة “بيري كريك” في شمال كاليفورنيا، تواصل الحرائق الهائلة التي يؤججها الجفاف والرياح العاتية تدمير مناطق واسعة في الولاية والتي بدورها حولت لون السماء إلى اللون البرتقالي مما اجبر سكان المناطق المتضررة من الولاية جرّاءِ سلسة الحرائق تلك بالنزوح إلى المدن القريبة الأمنة أو الأقل ضرراً.
بين حالات التصحر والفيضانات والحرائق، تعاني منطقة الشرق الأوسط بدورها من تقلبات مناخية حاده قد تجعلها غير صالحة لسكن الإنسان خلال القرن ٢١، وأن الكوارث الطبيعية المتكررة في العام 2021، دفعت ثلاث ملايين شخص تقريبا إلى مغادرة ديارهم في أفريقيا والشرق الأوسط
وهذا ما حذر منه الباحثون كنتيجة للآثار السلبية للتغير المناخي الذي تشهده الأرض في السنوات القليلة الماضية الذي بدوره ينبأ بموجة نزوح جديدة خارجية كانت أو داخلية. كما حدث في السودان الذي تعرضت لفيضان نهر النيل في ٢٠٢١، أطاحت هذه الكارثة بأكثر من ١٠٣ قتيل وهدم عشرات الآلاف من المنازل وتضرر أكثر من نص مليون شخص، الأمر الذي اضطر الأسر المتضررة إلى النزوح للمناطق التي لم تصلها المياه بعد أن خسروا بيوتهم واراضيهم.
في ظل اتفاقيات المياه الدولية الهشة او شبه المنعدمة بين العراق ودول المنبع لنهري دجلة والفرات، تواجه البلاد أزمة مياه مقبله نتيجة لانحسار المردود المائي من هذه الدول، الأمر الذي قد يدفع بعض سكان مدن العراق إلى موجة نزوح جديدة بجان مشكلات الهجرة التي يعانيها سكانه بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية المتتالية.
مع مهاول التغير المناخي، هل نصبح جميعنا لاجئين يوما ما؟
صرحت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، إلى أن “90 في المئة من اللاجئين في العالم يأتون من مناطق معرضة بقوة لتأثيرات التغير المناخي، و ان من المتوقع أن ترتفع درجة حرارة الأرض بنحو درجتين مئويتين في كل عقد على مدى العقدين المقبلين، وذلك طِبْقاً لـِ عدد من السيناريوهات التي أعدتها اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC وهذه الأخيرة بدورها تدعي أن هناك دليلًا جديدًا وأكثر قوة على أن معظم السخونة الملاحظة على مدار آخر 50 عامًا يمكن نسبتها إلى الأنشطة البشرية، أي أن الأرض لن تتوقف عن تسجل كوارث أخرى متتالية ومصاحبة لموجات نزوح كثيرة حول العالم، هذا يعني أن ظاهرة الهجرة بسبب المناخ لن تتوقف وان الأثر الناجم عن مشكلات الاحتباس الحراري والتغير المناخي لن يستثني أحد وأننا جمعينا تحدد تهديد اللجوء البيئي.
*ناشط بيئي
————————————————————–
المصادر :
https://www.fmreview.org/climatechange-disasters/fernandez
https://twitter.com/husam_sobhi/status/1572665367763484674?s=46&t=mJCS1baVksrXg_ATJ3SGlg
https://www.facebook.com/search/top?q=جلجاموس%20للاثار%20والاهوار&_rdc=1&_rdr
https://earthobservatory.nasa.gov/images/8865/forest-fires-in-california
https://www.unhcr.org/news/stories/2021/11/618a301d5/climate-change-emergency-everywhere.html
https://www.nature.com/articles/nclimate3352