التغير المناخي: شبح اخر يلاحق الكاكائيين في مناطقهم

حنان سالم

يراود القلق من الإفلاس للمرة الثالثة قلب إبراهيم كاكائي(50 عاماً) الذي يملك حقلاً صغيراً في قضاء داقوق (44 كيلومتر جنوب كركوك). فبعد نزوحه نتيجة اقتراب داعش من قريته عام 2014، لم يجد عملاً يسد بمردوده رمق اطفاله الخمسة، ما اضطره لإنفاق جميع مدخراته وبيع سيارته لتأمين لقمة العيش في فترة النزوح.

وبعد عودته الى ارضه عام 2017 بدأ من الصفر واسترد وضعه الاقتصادي عافيته، لكن الامر لم يدم طويلاً فحظر التجوال إثر انتشار فايروس كورونا عام 2020 أدى الى عدم تسويق محاصيله الزراعية وانقطاع مصدره الاقتصادي الوحيد.

يقول عن ذلك “هاجم داعش قرى الكاكائيين وتسبب بإخلاء العديد منها، وكورونا زادت الطين بلة واعادتنا الى الصفر مرة أخرى، ما ان يحدث شيء في هذا البلد حتى يكون الكاكائيون اول وأكبر المتضررين”.

يتوزع الكاكائيون -وهم اقلية دينية في العراق تقدر اعدادهم بأكثر من 120 ألف نسمةعلى مناطق سهل نينوى والسليمانية وأربيل وحلبجة وخانقين وكركوك وديالى ومدن أخرى تقع ضمن هذا النطاق، ويعمل اغلبهم بالزراعة فهم يقطنون في قرى يكون اكثر ساكنيها من الكاكائيينوبالأخص في قضاء داقوق التابع لمحافظة كركوك (270 كم شمال بغداد) المعروف بأراضيه الزراعية الخصبة التي تمتد لأكثر من 6 ملايين دونماً أي ما يزيد عن 6 الاف كم مربع.

وتعرضوا منذ 2003 الى مختلف العمليات الإرهابية التيأودت بحياة أكثر من 250 واثرت على وضعهم الاقتصادي والاجتماعي والتي ساهمت بشكل مباشر على تواجدهم في العراق. كما لم يسلموا من سطوة تنظيم داعش الذي احتل الكثير من مناطقهم خلال الفترة بين عامي 2014 و2016، وطردهم من قراهم وشن هجمات ضد المدنيينمنهم، وقراهم لازالت تتعرض لهجمات إرهابية من قبل خلايا داعش النائمة.

 

شبح الجفاف يلاحق الكاكائيون

قد يبدو تأثير التغير المناخي على الكاكائيين طفيفاً لكنهيشكل تحدياً جدياً لهم اذ يمس حياتهم واستدامتها بصورة مباشرة ويؤثر على بيئتهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصاديةبسبب تدهور الموارد الطبيعية وخاصة موارد المياه.

إبراهيم، كغيره من الكاكائيين يخشى تأثير الجفاف على وضعه الاقتصادي بسبب عمله في الزراعة “شحة المياه اثرت على كمية المحاصيل وجودتها، كنت اجني ضعف ما جنيته هذا الموسم ويبدو أني سأفلس مرة أخرى قريباً” قال ذلك وهو يقتلع بعض النبتات الجافة من ارضه.

ويشير إبراهيم الى تقصير الجهات المعنية قائلاً “حتى مياه الشرب نحصل عليه بشق الانفس، المسؤولون يتفرجون دون حراك والمواطن هو المتضرر الوحيد”.

الناشط المدني الكاكائي بشدار اركان يرى ان خطرَ تغييرٍديموغرافيٍ في مناطق الكاكائيين يلوح في الأفق بسبب الجفاف.

يقول “يعيش الكاكائيون في مناطق زراعية ويمتهنون الزراعة وتربية الأسماك، وكلا المهنتين تعتمدان على المياه بشكل رئيسي. مؤخراً قامت الحكومة بردم البحيرات وتجفيفها كما ان الأراضي الزراعية لا تصلها كميات مياه كافية لذا اضطر العديد من الكاكائيين لترك مناطقهم والتوجه نحو المدن وامتهان مهن أخرى”

ويشدد اركان على ان التعامل مع تأثيرات التغير المناخي على الكاكائيين في العراق يتطلب تبني استراتيجيات مستدامة وتعاون دولي، مشيراً الى حبس دول الجوار للمياه الذي يحول دون وصولها الى العراق.

يوافقه في الرأي رئيس منظمة ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية رجب عاصي، ويؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات جادة للحفاظ على المكون الكاكائي.

ويضيف “شحة المياه أدت الى زيادة نسب الملوحة في الأراضي الزراعية التابعة للكاكائيين ما اثر على انتاج الحنطة والشعير وهما المحصولان الأساس اللذان يعتمد عليهما الكاكائيون” ويستدرك قائلاً “لم تدعم الحكومات المتعاقبة الكاكائيون بتوفير أدوات الري المتقدمة وزراعة محاصيل مختلفة تساهم بالحد من التغير المناخي والتقليل من تأثيراته”.

يُذكر ان استخدام طرق ري حديثة كالري بالتنقيط قد يوفر ما يصل الى 80% من كمية المياه المستخدمة في الري بالطرق التقليدية.

وأشار عاصي الى ضرورة تعزيز التوعية بأهمية التغير المناخي وتبني سياسات تحفز على التكيف مع هذه التحديات، إلى جانب تطوير برامج لحماية وإعادة تأهيل الموارد الطبيعية، بما في ذلك إدارة المياه وتحسين الزراعة المستدامة.

يعكس الواقع الذي يعيشه الكاكائيون حجم التحديات التي يواجهونها يوميًا، اذ يتعرضون لتدهور الموارد الطبيعية والجفاف وانقطاع التيار الكهربائي وشدة الظواهر المناخية القاسية كالجفاف والعواصف الترابية بسبب التغير المناخي والعديد من الصعوبات الأخرى التي تفرض عليهم مزيدًا من الصبر والمثابرة.

إضافة الى انعدام الدعم الحكومي الذي من شأنه الحفاظ على تواجد الكاكائيين في مناطقهم والمتمثل باستراتيجيات التمكين الزراعي وتوفير ادواته.

نشرت هذه المادة الصحفية بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *