لماذا لا يلجأ العراق إلى “طاقة باطن الأرض”؟

علي ناجي
ما زال العراق بحاجة إلى الطاقة الكهربائية، بنحو 10 ميغاواط فضلاً عن انتاجه الحالي، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي الذي ما يقارب 40 ميغاواط، وأن سد هذا النقص يكون عبر الطاقة المتجددة كالألواح الشمسية وطاقة الرياح حسب البيانات الصادرة من الحكومة.
ويعاني العراق أزمة نقص كهرباء مزمنة منذ عقود، جراء الحصار والحروب المتتالية. ويحتج السكان منذ سنوات طويلة على الانقطاع المتكرر للكهرباء، خاصة خلال فصل الصيف، إذا تصل درجات الحرارة أحياناً إلى 50 درجة مئوية.
لكن لم تتطرق السلطات المعنية بالكهرباء الى طاقة باطن الأرض أو الجيوحرارية التي تعرف باسم Geothermal energy””.
هذه الطاقة المتجددة، نظريا، يمكن أن تكفي لتغطية حاجة العالم من الطاقة لمدة 100.000 سنة قادمة إلا أن تحويلها إلى طاقة كهربائية هي عملية باهظة التكاليف بسبب عمليات الحفر إلى أعماق سحيقة والحاجة إلى أنابيب كثيرة لاستخراج الماء الساخن بكميات وفيرة، وذلك رغم أن الطاقة الأساسية (المادة الأولية) مجانية وهي متوفرة بكثرة لكن صعب الحصول عليها.

باهظة الثمن
وقد يجعل الكلفة المالية لاستخراج الطاقة الكهربائية من باطن أرض العراق، يؤخر بغداد من استخدامه كما تستخدم حالياً طاقتي الشمسية والرياح سواء الدولة أو السكان كمحاولة لسد النقص بالتيار.
وهذا ما أكده المهندس والمختص بالطاقة المتجددة مظفر نعمة، أن أبرز معوقات لجوء الدولة إلى اعتماد طاقة الجيوحرارية، هو الكلفة المالية الغالية لاستخراجها، ومن الشركات تأخذ نسبة على حجم الانتاج.
وقال نعمه في حديث لـ”مرصد العراق الاخضر”، إن “دراسات الحديثة بشأن هذه الطاقة في العراق، اشارت الى ايجابية ان تكون هناك طاقة متجددة متنوعة تعتمدها بغداد”، مضيفاً “لكن توجد معوقات عديدة لتوليد طاقة باطن الارض، ابرزها بعد العراق عن خط البراكين والزلازل او الصفائح الكنتونية التي تعرف باسم خط النار”.
مضيفاً أن “هذه الصفائح تكون خصبة ونشطة لاستخراج جيوب الحرارية منها لانتاج الطاقة الكهربائية”، موضحاً أن “يكون انتاجها من مؤسسات الدولة المعنية بسبب كلفتها المالية جداً، فضلاً عن مخاطر السلامة، وبالتالي يقتصر حفر هذه الابار عبر موافقات الحكومية وليس الافراد، اي عكس استخدام السكان لطاقتي الشمسية والرياح لتوليد الكهرباء”.

الكهرباء الضارة للبيئة
يتمتع العراق بأكثر من 3000 ساعة من سطوع الشمس، من أصل 8700 ساعة في السنة. وفي الوقت نفسه، يجري إنتاج أكثر من98% من الكهرباء في العراق عن طريق الوقود الأحفوري، وفقاً لتقرير “البنك الدولي”، وهي ضارة للبيئة ولصحة الانسان.
وعلى المستوى الحكومي، يطمح وادي الرافدين إلى تأمين ثلث إنتاجه الكهربائي من مصادر طاقة متجددة بحلول عام 2030، فقد وقّعت بغداد اتفاقات عدة لبناء محطات طاقة شمسية، والتي لا تزال تنتظر أن تصبح واقعاً ملموساً.
وتشهد بغداد والمحافظات وإقليم كردستان، الكثير من المحلات لبيع أنظمة للطاقة الشمسية ويتم نصبها على أسطح البيوت لتحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية، كحل ايجابي لسد النقص في الناقل الوطني الذي يصل لهم.
على سبيل المثال، انتاج “10” أمبير من الكهرباء يكلف نحو 5 الاف دولار اميركي، في حين أن محطات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية، مكلفة جداً ويرجع السبب في ذلك إلى صعوبة حفر آبار بأعماق سحيقة تبدأ عمقها من 5 الى مئات كيلومترات ووسط درجات حرارة.

طرقها إنتاجها الثلاث
أوضح المختص بالطاقة المتجددة، “هناك 3 طرق لانتاج الكهرباء من باطن الارض، وهذه الطرق جميعها صعبةً حالياً على العراق بسبب كلفتها المادية للشركات المنفذة لهذه المشاريع”.
وان الطرق الثلاث لمحطات توليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية، وهي: محطات البخار الجاف، أقدم الطرق واكثرها انتشارا، وهي نفس الطريقة التي استخدمت في إيطاليا سنة 1904م، وتستخدم هذه المحطات الماء الموجود بشكل طبيعي في الطبقات الأرضية العميقة والموجود تحت تأثير ضغط وحرارة عاليين، فيتم استخراجه بواسطة حفر آبار عميقة فيخرج على شكل بخار ماء بسبب حرارته العالية وبسبب فرق الضغط.
يسير هذا البخار في أنابيب ثم يعرض لتوربينات تدور المولدات الكهربائية التي تنتج الطاقة الكهربائية. يضخ الماء المتكثف إلى الأرض عبر بئر آخر يسمى بئر الحقن.
والطريقة الثانية، تعرف باسم محطات التبخير، تستخدم هذه المحطات السوائل الموجودة بضغط عالي تحت الأرض حيث يتم تركزها في وعاء ذي ثقب صغير يؤدي إلى وعاء آخر ذي ضغط معتدل، فعند حركة السائل من الوعاء الأول إلى الثاني عبر الثقب يتبخر بسبب السرعة وفرق الضغط العالي.
يحرك البخار التوربين فيحرك بدوره المولدات الكهربائية التي تنتج الكهرباء. يضخ الماء المتكثف المتبقي إلى الأرض عبر بئر الحقن.
اما الطريقة الاخيرة، تسمى بالمزدوجة، تستخدم هذه المحطات السوائل الموجودة تحت الأرض ذات درجة غليان مرتفعة (حوالي 200 مئوية) يتم ضخها إلى الأعلى حيث تقوم بتسخين الماء ذي درجة غليان عادية (100 مئوية) في أنبوب آخر يمر بمحاذاة الأنبوب الساخن (مبادل حراري).
ويتبخر الماء الذي تم تسخينه بسبب درجة الحرارة المرتفعة للسائل في الأنبوب الآخر، حيث يحرك البخار توربين المولد الكهربائي ويتكثف فيعود مجددا إلى محاذات الأنبوب الساخن، ويتحرك بهذه الطريقة في دوران مستمر. يُعاد ضخ الماء المستخرج مجددا إلى الأرض عبر بئر الحقن.

ملف الصخور الساخنة
يذهب الخبير الجيولوجي عبدالكريم السعدي، الى عدم استفادة العراق من طاقة باطن الارض، لان باطن ارضه بعيدة عن الصخور الساخنة المولدة لهذه الطاقة.
وقال السعدي، في حديث لـ “مرصد العراق الاخضر”، إن “العراق ليس مثل دول ايسلندا والصين او الولايات المتحدة الاميركية التي باطن ارضها ضمن الحزام الناري الذي يضم صخور ساخنة يمكن توليد الكهرباء منها”.
واضاف أن “استخدام هذه الطاقة لا يؤثر على دوران الارض، كما يطرح بعض الجيولوجيين ذلك، انما صديقة للارض والبيئة”، داعياً الى “استخدام طاقتي الرياح والشمسية في سد عجز توليد الطاقة الكهربائية، وكذلك طاقة الجيوحرارية اذا تمكنت الدولة من استخراجها”.
إن الطاقة المتجددة تقلل من ملوثات الهواء الضارة، لانه عندما يتم حرق الوقود الأحفوري لتوليد التيار الكهربائي، فإنه يتفاعل مع الأوكسجين لتكوين أكسيد النيتروجين أو أكاسيد النيتروجين، وهي غازات دفيئة خطيرة مضرة للبيئة وعلى صحة الانسان ايضاً، ولا تتسبب هذه الغازات في الضباب الدخاني والأمطار الحمضية فحسب، بل يتفاعل الغاز كيميائيًا لإنتاج الأوزون على مستوى الأرض.
التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *