كيف تعيد التكنولوجيا تشكيل مستقبل الإنتاج الغذائي في العراق؟

زينب كريم

في ظل التحديات المتزايدة التي يفرضها التغير المناخي على مختلف القطاعات، يبقى القطاع الزراعي الأكثر تأثراً، حيث يعتمد بشكل مباشر على الظروف البيئية والمناخية. مع تصاعد درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار، يجد المزارعون أنفسهم أمام واقع جديد يتطلب تبني أساليب مبتكرة وتقنيات حديثة لضمان استمرار الإنتاج الزراعي وتوفير الأمن الغذائي.

في العراق، تعتبر الزراعة النقطة الأساسية في معالجة مشاكل الغذاء وخلق المزيد من فرص العمل، وخاصة في المناطق الريفية، وذلك بفضل قدرتها على مكافحة التدهور البيئي ومعالجة شحة المياه، حيث أثبتت الزراعة المائية أنها الحل الأمثل لإنتاج الغذاء المستدام. وذلك عبر زراعة النباتات بدون تربة واستخدام محاليل مائية غنية بالمغذيات، حيث تعتبر هذه الزراعة مورداً ثميناً في العراق. كما أنها تتيح الزراعة على مدار العام، مما يقلل الاعتماد على أنماط الطقس الموسمية ويخفف من تأثير درجات الحرارة العالية والظروف الصحراوية على المحاصيل.

ويبرز لدينا تعبير الزراعة الذكية، المرتبط بتحقيق الاستدامة في الإنتاج الزراعي، واستخدام التكنولوجيا لتخطيط وإدارة المحاصيل بشكل أفضل، ويتضمن استخدام صور أقمار اِصطناعية لتحديد خصائص التربة ومراقبة تطور النبات وتقدير الغلات بالإضافة إلى تحليل البيانات حول أنماط الطقس لإدارة المحاصيل واستخدام طائرات بدون طيار وحصّادات عالية التقنية.

صار بإمكان المزارعين إذا تسلحوا بتلك الأدوات تطوير ممارسات أكثر كفاءة كأن يتم استخدام الكيماويات الزراعية بدقة مثل مبيدات الآفات والأسمدة، ما يوفر الوقت والطاقة مع زيادة الإنتاج. الزراعة الذكية مناخياً هي النهج الذي يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير وتهدف الزراعة الذكية مناخيا لمعالجة الثلاثة أهداف الرئيسية.

يمكن تلخيص الأهداف، بزيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية والدخل والتكيف وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ؛ وخفض وإزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وزيادة الإنتاجية والدخل. وفي هذا التقرير، نستعرض دور التكنولوجيا والابتكارات الحديثة في إعادة تشكيل مستقبل الزراعة، ونسلط الضوء على آراء الخبراء حول كيفية مواجهة التأثيرات السلبية للتغير المناخي وتعزيز استدامة القطاع الزراعي للأجيال القادمة.

تهديد وجودي للزراعة

تشير التقارير إلى أن التصحر وندرة الموارد المائية باتا يشكلان تهديداً كبيراً للزراعة في العديد من المناطق، خاصة في الدول التي تعتمد على نهري دجلة والفرات كمصدر رئيسي للري. وفي هذا السياق، صرحت زوزان علي صالح بيرو الهاجاني، عضو لجنة الزراعة والأهوار النيابية، أن التصحر قد طال حوالي 70% من الأراضي الصالحة للزراعة، مما يجعل القطاع الزراعي يواجه تحديات هائلة. وقالت الهاجاني في تصريح خاص: “البلاد تواجه مشاكل داخلية وخارجية تتعلق بالمياه، أبرزها قلة الواردات المائية من نهري دجلة والفرات، إضافة إلى سوء الإدارة المائية والاستخدام المفرط للمياه في الري التقليدي.”

وأضافت أن الري التقليدي يستهلك حوالي 70% من الموارد المائية، ما يستدعي تبني أساليب حديثة مثل الري بالتنقيط والرش لتحسين استهلاك المياه. كما دعت إلى ضرورة تحسين التربة باستخدام مواد صديقة للبيئة وتقديم الدعم الحكومي للفلاحين والمزارعين لتبني هذه التقنيات، مشددةً على أهمية رفع الوعي بين العاملين في القطاع الزراعي.

الحل بالتكنولوجيا

أكد المهندس الزراعي سعد صالح مهدي من دائرة البحوث الزراعية، أن التكنولوجيا والابتكارات الحديثة تمثل أدوات قوية لمساعدة المزارعين في التكيف مع التغيرات المناخية. وقال مهدي إن “الابتكارات مثل البيوت البلاستيكية والزراعة المائية والزراعة المختبرية يمكن أن تعزز الإنتاجية وتحمي النباتات من الظروف المناخية القاسية”.

وأوضح مهدي أن هذه التقنيات لا تقتصر على توفير بيئة زراعية ملائمة فحسب، بل تساعد أيضًا في تقليل التكاليف والجهد المبذول من قبل المزارعين. وأضاف: “أنظمة مراقبة النبات المستمرة وإدارة المياه الذكية يمكن أن تقلل من استهلاك المياه وتمنع الهدر، مما يجعل استهلاك المياه أكثر توافقاً مع احتياجات المحاصيل الفعلية.”

كما أكد على أن المزارعين الصغار يمكنهم الاستفادة من هذه التقنيات من خلال تأجير المعدات أو التعاون مع مزارعين آخرين لشراء التقنيات بالمشاركة، مما يتيح لهم الوصول إلى أحدث الأدوات بتكاليف أقل.

مستقبل الإنتاج الغذائي

من جهته، شدد الناشط والمهندس الزراعي أوس القصاب على أن الزراعة المائية والزراعة خارج التربة تعتبران من أفضل الحلول المبتكرة لمواجهة التغير المناخي. وقال القصاب: “التغير المناخي يؤثر على المساحات المزروعة وعلى كمية ونوعية الإنتاج. لكن الزراعة المحمية التي يتم التحكم في ظروفها يمكن أن تستغل المساحات بشكل مثالي، حيث يمكن زراعة نباتات كثيرة في مساحة صغيرة”.

وأضاف القصاب أن الابتعاد عن الطرق التقليدية في الزراعة واستخدام التقنيات الحديثة مثل الأقمار الصناعية لمراقبة المحاصيل يساهم في تقليل استهلاك المياه. وأكد أن هذه الحلول تعزز من استدامة الزراعة في ظل التغيرات المناخية، وتساعد في الحفاظ على الموارد المائية.

طريق الزراعة المستدامة

لا شك أن التغير المناخي يفرض تحديات غير مسبوقة على القطاع الزراعي، مما يتطلب تحركاً سريعاً لتبني التكنولوجيا والابتكارات الحديثة. من الزراعة الدقيقة إلى الزراعة العمودية والزراعة المائية، تبدو هذه الحلول ضرورية لضمان استدامة الإنتاج الغذائي وتلبية احتياجات الأجيال القادمة. ومع استمرار البحث والتطوير في هذا المجال، يمكن للزراعة أن تتحول من قطاع يتعرض للمخاطر البيئية إلى نموذج أكثر استدامة وكفاءة في ظل عالم متغير.

يبدو أن مستقبل الإنتاج الغذائي يعتمد بشكل كبير على قدرتنا على التكيف مع هذه التغييرات، والاستثمار في الابتكارات التكنولوجية، بما يضمن استمرار الزراعة كأحد أهم القطاعات الحيوية للأمن الغذائي العالمي.

مع العلم أن ازدياد عدد السكان في العالم نحو 9.7 مليارات نسمة بحلول 2050، وزيادة الطلب على الغذاء بنسبة تصل 60 بالمئة، بدفع متخصصون إلى التأكيد على ضرورة اللجوء إلى الزراعة الذكية لتدبير تلك الاحتياجات، لا سيما وأن قطاع الزراعة تراجع عالميا نحو 70 بالمائة من المياه العذبة المتاحة وفي المقابل، توفّر تقنية الزراعة المائية الحد من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90 بالمئة مقارنة مع الزراعة التقليدية حيث أن القطاع الزراعي تعرض كغيره من القطاعات الأخرى إلى تراجع كبير في الإنتاج.

التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *